الدرس الاول من الدورة...... حول صناعة النفس
للإنسان قُدْرَةٌ في إظهار نفسه و تكوينها ، و هو في ذلك غنيٌّ
عن إظهار غيره له .
و هذه حال
كثيرين يعتمدون على غيرهم ، و يرتقون على أكتاف كبرائهم لإظهار أنفسهم
.
و هذا فيه
ما فيه من هضم النفس ، و هَدْرٍ لما وهبها الله من آليَّات النهوض بها ، و الرقي
بها في سماء العلو .
و لذا كانت
وظيفة ( صناعة النفس ) سائدة لدى
فئة من الناس لا يُزَاحَمُوْنَ في وظيفتهم ؛ و هذا إنما هو : لقلَّتِهم ، و لعلو همتهم ، و لقوة
عزيمتهم .
فَمِنْ
شابههم سلك دروبهم . و مَنْ لا فلا .
و هذه أسطرٌ
كاشف فيها معاني ( صناعة النفس ) من خلال مباني الأحرف .
و مؤصِّلاً
وظيفة ( صناعة النفس ) موافِقَاً أصول الشريعة ، مراعياً أُسُسَ التربية
.
معنى
( صناعة النفس ) :-
قـد يتبادر
إلى الذهن معنى لـ ( صناعة النفس ) غيرُ مُرادٍ لي ؛ و دفعـاً لتلك المبادرة
أُبيِّنُ المعنى من (صناعة النفس ) و هو :
سعيُ
الإنسان _ الجادّ _ نحو إظهار نفسه
، و الكشف عن مكنوناتها و مهاراتها التي تؤدي بها نحو عالم الإبداع
. مع اعتماده على ذاته وما كان خافياً فيها من قُدَرٍ .
و هذا
المعنى هو من بنيَّات الفكر ، و بَوْحِ الخاطر .
قواعدُ(
صناعة النفس ) :
لـ ( صناعة
النفس ) قواعدُ و أصولُ بها تُتْقَنُ
و تُحْكَمُ ( صناعة النفس ) ، و بدونها ، و حال تخلُّفِها يكون الخلل ، و يُخَيِّمُ الفشل
.
و ههنا
أمورٌ أربعة هنَّ أصولٌ لـ ( صناعة النفس ) :
الأول
: معرفة قُدُرَاتُ النفس :
إن الله _
تعالى _ متَّعَ الخلق بقُدَرٍ و مواهبَ ؛ و هذه المواهب و القُدَرُ متفاوتةٌ بين
الناس ، و هم فيها متباينون .
فإذا عرف
الإنسان قُدُرَاتُ نفسِه أحسن استعمالها ، و انشغل بها عن غيرها
.
و معرفة
قُدَرُ النفس مُرْتَكِزَةٌ على رَكِزَتَيْن :
الأولى
: عدم رَفْعِ النفس فوق قدْرِها .
حيث ترى _ و
هو كثير _ مَنْ يُخادع نفسه
و يُلْبِسُها لباس الزور فيُنزلها منازل كبيرةً عليها ، ليست هي من أهلها و لا قَرُبَتْ من
أحوالهم .
الثانية
: عدم إهانتها و إنزالها عن قدرها .
و هذه
كسابقتها في الكثرة و الانتشار .
و أعني
بقُدَرِ النفس : ما تعرف النفس
أنها ميَّالَةٌ إليه ، و تتيقَّنُ أنها تُنْتِجُ فيه أكثر .
الثاني
: حُسْنُ إدارة النفس :
إدارة
النفس تعني : قُدْرَةُ
الفرد على توجيه مشاعره و أفكاره و إمكانياته نحو ما يريد تحقيقه ، و ما يصبو إلى
تحصيله .
فَحِيْن
يستطيع الإنسان أن يوجِّهَ خواطره و مشاعره نحو ما يسعى إليه في حياته يكون بدءُ (
صناعة النفس ) .
و إدارة
النفس فنُّ له أصوله و قواعده و مهاراته ، فليس هو أمرٌ بالهيِّن ، و لا بالشأن
السَّهل .
الثالث
: تزكيةُ النفس :
تزكية النفس
هي : تنميتها ، و تطهيرها .
فتنميتها
تكون بـ : الطاعات ، و الفضائل .
و تطهيرها
يكون بـ : التخلِّي من الآفات ؛ المعاصي ، سفائل الأخلاق .
هذان
أُسَّان في تربية النفس و تطهيرها .
الرابع
: التدرُّج :
النفس
توَّاقةٌ نحو الدَّعَةِ ، و ساعيةٌ
إلى الخمول و السُّكون ، فإذا أراد صاحبها أن يُبْدِعَ في ( صناعة النفس ) فلا بدَّ له من نقلها
من مواطن الركود و الدعة إلى مشارف العلو و الرفعة .
و هذا يحتاج
إلى أن يتدرَّج بها صاحبها من الدُّوْنِ إلى العلو ؛ شيئاً فشيئاً قليلاً قليلاً
.
و سرُّ ذلك
: أن في التدرُّج تنقُّلٌ مُمَهَّدٌ يستدعي تقبُّلَ النفس لتلك الصناعة
.
و العكس ذو
آفة يعرفها من أدرك حقيقة ذاك السر .
الخامس
: الحكمة :
إن ( صناعة
النفس ) تقتضي التعامل بالحكمة مع النفس ؛ فلا تُجْهَد ، و لا تُطْلَق لها
الأزِمَّة .
فيراعيها في
موطنين :
الأول
: موطن الإقبال نحو المعالي ؛ فيغتنم تلك الفرصة
لتربيتها ، و تنميتها .
الثاني
: موطن الإحجام عن الفضائل فيستعمل معها سياسة القيادة من جهتين :
الأولى :
الترغيب ؛ فيرغب نفسه بفضائل الأفعال ، و مقامات الكمال .
الثانية :
الترهيب ؛ فيرهب نفسه بعواقب الدُّنُوِّ ، و يُبَيِّنُ لها مساويء الأعقاب
.
طرقُ(
صناعة النفس ) :
لـ ( صناعة
النفس ) طريقان مهمان :
الأول :
طريق ( الذات ) :
و أعني به :
أن يكون الإنسان هو الصانع لنفسه ؛ و ذلك من خلال القواعد الخمس السابقة
.
الثاني :
طريق الغير :
و أعني به :
أن تكون ( صناعة النفس ) للإنسان من خلال من هو خارج عنه _ أي : عن نفسه _ من :
صاحب ، أو عالم ، أو أبٍ ، … .
مجالات(
صناعة النفس ) :
المجالات
كثيرة و متعدِّدَةٌ ، و لكن سنقتصر ع الاتى على سبيل الحصر :
الأول :
مجال العلم :
فإن أغلب
الناس _ الصَّالحين _ ممن أعملَ نفسَه في العلم : طلباً ، و تعليماً ، و تأليفاً
... .
و هذه
مَحْمَدَةٌ و مَنْقَبَةٌ يُفرَح بها .
لكن الأمر
المُؤْسِف أن يكون من يشتغل بالعلم
دائمَ الصعود و الظهور على أكتاف غيرة ، ملازماً لتقليدهم ، حَذِرَاً من إبداء أي رأي له خَشْيَةَ عدم
المُوَافَقَة .
و هذه سلبية
لا إيجابية .
إذ الواجب
على الإنسان أن يكون مُسْتَقِلاًّ بنفسه ، مُعْتَمِدَاً عليها
.
و هذا هو
شأن كثير من المشهورين ما أظهرهم
إلا هم ، سعوا جادِّيْن نحو ( صناعة النفس ) فأبدعوا و أنتجوا ، في حين أن غيرهم ممن سيطر عليه
الخوف ما بَرِحَ مكانه .
و لا أعني
بكلامي هذا إسقاط ما للعلماء من
مكانة و تأثير في نفس الإنسان ، و إنما أُريدُ أن يكون الإنسان ذا رأي مُعْتَبِرَاً لنفسه قَدْرَاً
و وزْنَاً ، و يَنْفَرِدُ بالسعي في
تَحْصِيْلِ العلم بعد أخذ مفاتحه و أصوله على مشايخه .
الثاني :
مجال العمل به :
و هذا أكثر
و أشهر من سابقه .
و ( صناعة
النفس ) فيه تكون بأن يَعْتَمِدَ الإنسان على ذاته في تبليغ ما تحصٌل عليه ، و
نشره في أوساط الناس .
و كذلك أن
يسعى لإيجاد طرائق مُتَعَدِّدَةٍ لتبليغ ذلك ، و النشر في أوسع نطاق
.
:
نكتفى بهذا
اليوم......
:
وحتى نلتقى
فى الدرس القااادم .... أسأل ماذا تعلمت / ى فى هذا الدرس ....؟؟؟؟
:
وسنحاول
ان نتعرف بإيجاز فى الدرس القادم على :
1- من أين يستمد الإنسان طاقته وحيويته ونشاطه ؟
2- كيف يتخذ الإنسان قراراته ؟
3- كيف ينظم الإنسان العالم من حوله ؟
الى ان نلتقى ... دمتم فى حفظ الله